وليس هذا من باب ما هو واحد بالنوع متعدد الأعيان، كالإنسانية الموجودة في زيد وعمرو، ولا من باب ما يقول الإنسان مثل قول غيره، كما قال تعالى :﴿ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ﴾ [ البقرة : ١١٨ ]، فإن / القرآن لا يقدر أحد أن يأتي بمثله، كما قال تعالى :﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ [ الإسراء : ٨٨ ]، فالإنس والجن إذا اجتمعوا لم يقدروا أن يأتوا بمثل هذا القرآن، مع قدرة كل قارئ على أن يقرأه ويبلغه.
فعلم أن ما قرأه هو القرآن ليس هو مثل القرآن، وأما الحروف الموجودة في القرآن إذا وجد نظيرها في كلام غيره، فليس هذا هو ذاك بعينه، بل هو نظيره، وإذا تكلم الله باسم من الأسماء؛ كآدم ونوح وإبراهيم، وتكلم بتلك الحروف والأسماء التي تكلم الله بها، فإذا قرئت في كلامه فقد بلغ كلامه، فإذا أنشأ الإنسان لنفسه كلامًا لم يكن عين ما تكلم الله به من الحروف والأسماء هو عين ما تكلم به العبد حتى يقال : إن هذه الأسماء والحروف الموجودة في كلام العباد غير مخلوقة؛ فإن بعض من قال : إن الحروف والأسماء غير مخلوقة في كلام العباد ادعى أن المخلوق إنما هو النظم والتأليف دون المفردات، وقائل هذا يلزمه أن يكون ـ أيضًا ـ النظم والتأليف غير مخلوق إذا وجد نظيره في القرآن كقوله :﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [ مريم : ١٢ ] وإن أراد بذلك شخصًا اسمه يحيى وكتابًا بحضرته.


الصفحة التالية
Icon