فإن قيل : فيجب إذا حلف بها حالف أن تنعقد يمينه وإذا خالف يمينه أن يحنث، قيل له : كما في حروف القرآن مثله نقول هنا.
فإن قيل : أليس إذا وافقها في هذه المعاني دل على أنها هي، ألا ترى أنه إذا تكلم متكلم بكلمة يقصد بها خطاب آدمي فوافق صفتها صفة ما في كتاب الله ـ تعالى ـ مثل قوله : يا داود، يا نوح، يا يحيى، وغير ذلك؛ فإنه موافق لهذه الأسماء التي في كتاب الله، وإن / كانت في كتاب الله قديمة وفي خطاب الآدمي محدثة ؟.
قيل : كل ما كان موافقًا لكتاب الله من الكلام في لفظه ونظمه وحروفه فهو من كتاب الله، وإن قصد به خطاب آدمي.
فإن قيل : فيجب إذا أراد بهذه الأسماء آدميًا وهو في الصلاة ألا تبطل صلاته.
قيل له : كذلك نقول، وقد ورد مثل ذلك عن علي وغيره، إذ ناداه رجل من الخوارج :﴿ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ﴾ [ الزمر : ٥٦ ] قال : فأجابه على وهو في الصلاة :﴿ فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴾ [ الروم : ٦٠ ]. وعن ابن مسعود أنه استأذن عليه بعض أصحابه فقال :﴿ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ ﴾ [ يوسف : ٩٩ ].
قال : فإن قيل : أليس إذا قال :﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ﴾ [ مريم : ١٢ ] ونوى به خطاب غلام اسمه يحيى يكون الخطاب مخلوقًا ؟ وإن نوى به القرآن يكون قديمًا، قيل له : في كلا الحالين يكون قديمًا؛ لأن القديم عبارة عما كان موجودًا فيما لم يزل، والمحدث عبارة عما حدث بعد أن لم يكن، والنية لا تجعل المحدث قديمًا ولا القديم محدثًا، قال : ومن قال هذا فقد بالغ في الجهل والخطأ.
وقال ـ أيضًا ـ : كل شيء يشبه بشيء ما فإنما يشبهه في بعض الأشياء دون بعض، ولا يشبهه من جميع أحواله؛ لأنه إذا كان مثله في جميع أحواله كان هو لا غيره، وقد بينا أن هذه الحروف تشبه حروف القرآن فهي غيرها. ا هـ.