قلت : هذا كلام القاضي يعقوب وأمثاله، مع أنه أجَلّ من تكلم في هذه المسألة، ولما كان جوابه مشتملا على ما يخالف النص والإجماع والعقل خالفه ابن عقيل وغيره من أئمة المذهب الذين هم أعلم به.
وأجاب ابن عقيل عن سؤال الذين قالوا : هذا مثل هذا، بأن قال : الاشتراك في الحقيقة لا يدل على الاشتراك في الحدوث، كما أن كونه عالما هو تبينه للشيء على أصلكم، ومعرفته به على قولنا على الوجه الذي يتبينه الواحد منا، وليس مماثلا لنا في كوننا عالمين. وكذلك كونه قادرًا هو صحة الفعل منه ـ سبحانه وتعالى ـ وليست قدرته على الوجه الذي قدرنا عليها، فليس الاشتراك في الحقيقة حاصلا، والافتراق في القدم والحدوث حاصل.
قال : وجواب آخر : لا نقول : إن الله يتكلم بكلامه على / الوجه الذي يتكلم به زيد، بمعنى : أنه يقول : يا يحيى، فإذا فرغ من ذلك انتقل إلى قوله : خذ الكتاب بقوة، وترتب في الوجود كذلك، بل هو ـ سبحانه وتعالى ـ يتكلم به على وجه تعجز عن مثله أدواتنا، فما ذكرته من الاشتباه من قول القائل : يا يحيى خذ الكتاب، يعود إلى اشتباه التلاوة بالكلام المحدث، فأما أنه يشابه الكلام القائم بذاته فلا.
قال ابن عقيل : قالوا : فهذا لا يجيء على مذهبكم؛ فإن عندكم التلاوة هي المتلو والقراءة هي المقروء. قيل : ليس معنى قولنا : هي المتلو، أنها هذه الأصوات المقطعة، وإنما نريد به ما يظهر من الحروف القديمة في الأصوات المحدثة، وظهورها في المحدث لابد أن يكسبها صفة التقطيع لاختلاف الأنفاس، وإدارة اللهوات؛ لأن الآلة التي تظهر عليها لا تحمل الكلام إلا على وجه التقطيع، وكلام الباري قائم بذاته على خلاف هذا التقطيع، والابتداء، والانتهاء، والتكرار، والبعدية، والقبلية.


الصفحة التالية
Icon