وأيضا، فهذان المتنازعان إذا قال أحدهما : إنها قديمة، وليس لها مبتدأ، وشكلها ونقطها محدث، وقال الآخر : إنها ليست بكلام الله وأنها مخلوقة بشكلها ونقطها، قد يفهم من هذا أنهما أرادا بالحروف الحروف المكتوبة دون المنطوقة، والحروف المكتوبة قد تنازع الناس في شكلها ونقطها؛ فإن الصحابة لما كتبوا المصاحف كتبوها غير مشكولة ولا منقوطة؛ لأنهم إنما كانوا يعتمدون في القرآن على حفظه في صدورهم لا على المصاحف، وهو منقول بالتواتر محفوظ في الصدور، ولو عدمت المصاحف لم يكن للمسلمين بها حاجة؛ فإن المسلمين ليسوا كأهل الكتاب الذين يعتمدون على الكتب التي تقبل التغير، والله أنزل القرآن على محمد فتلقاه تلقيًا وحفظه في قلبه، لم ينزله مكتوبا كالتوراة، / وأنزله منجما مفرقا ليحفظ فلا يحتاج إلى كتاب، كما قال تعالى :﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ الآية [ الفرقان : ٣٢ ]، وقال تعالى :﴿ وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ ﴾ الآية [ الإسراء : ١٠٦ ]، وقال تعالى :﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ﴾ الآية [ طه : ١١٤ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ الآية [ القيامة : ١٧ ].


الصفحة التالية
Icon