وفي الصحيح عن ابن عباس قال : كان النبي ﷺ يعالج من التنزيل شدة، وكان يحرك شفتيه، فقال ابن عباس : أنا أحركهما لك كما كان النبي ﷺ يحركهما، فحرك شفتيه، فأنزل الله تعالى :﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ﴾ قال : جمعه في صدرك ثم تقرأه ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ قال : فاستمع له وأنصت ﴿ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [ القيامة : ١٦ـ ١٩ ] أي : نبينه بلسانك، فكان النبي ﷺ إذا أتاه جبريل استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي ﷺ كما أقرأه؛ فلهذا لم تكن الصحابة ينقطون المصاحف ويشكلونها، وأيضا كانوا عربًا لا يلحنون؛ فلم يحتاجوا إلى تقييدها بالنقط، وكان في اللفظ الواحد قراءتان يقرأ بالياء والتاء مثل : يعملون وتعملون. فلم يقيدوه بأحدهما ليمنعوه من الأخرى.
ثم إنه في زمن التابعين لما حدث اللحن صار بعض التابعين يشكل المصاحف وينقطها، وكانوا يعملون ذلك بالحمرة، ويعملون الفتح بنقطة حمراء فوق الحرف، والكسرة بنقطة حمراء تحته، والضمة بنقطة حمراء / أمامه، ثم مدوا النقطة وصاروا يعملون الشدة بقولك :[ شد ]، ويعملون المدة بقولك :[ مد ]، وجعلوا علامة الهمزة تشبه العين؛ لأن الهمزة أخت العين، ثم خففوا ذلك حتى صارت علامة الشدة مثل رأس السين، وعلامة المدة مختصرة كما يختصر أهل الديوان ألفاظ العدد وغير ذلك، وكما يختصر المحدثون [ أخبرنا وحدثنا ]، فيكتبون أول اللفظ وآخره على شكل [ أنا ] وعلى شكل [ ثنا ].