ومثل هذا اصطلاح المتكلمين على أن القديم هو ما لا أول لوجوده أو ما لم يسبقه عدم، ثم يقول بعضهم : وقد يستعمل القديم في المتقدم على غيره، سواء كان أزليًا أو لم يكن، كما قال تعالى :﴿ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ ﴾ [ يس : ٣٩ ]، وقال :﴿ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ﴾ [ الأحقاف : ١١ ]، وقوله تعالى :﴿ قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ ﴾ [ يوسف : ٩٥ ]، وقال :﴿ قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ ﴾ [ الشعراء : ٧٥، ٧٦ ]، وتخصيص القديم بالأول عرف اصطلاحي، ولا ريب أنه أولى بالقدم في لغة العرب؛ ولهذا كان لفظ المحدث في لغة العرب بإزاء القديم، قال تعالى :﴿ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ ﴾ [ الأنبياء : ٢ ]، وهذا يقتضى أن الذي نزل قبله ليس بمحدث بل متقدم. وهذا موافق للغة العرب التي نزل بها القرآن، / ونظير هذا لفظ [ القضاء ]، فإنه في كلام الله وكلام الرسول المراد به إتمام العبادة، وإن كان ذلك في وقتها، كما قال تعالى :﴿ فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [ الجمعة : ١٠ ]، وقوله :﴿ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ ﴾ [ البقرة : ٢٠٠ ]، ثم اصطلح طائفة من الفقهاء فجعلوا لفظ [ القضاء ] مختصًا بفعلها في غير وقتها، ولفظ [ الأداء ] مختصًا بما يفعل في الوقت، وهذا التفريق لا يعرف قط في كلام الرسول، ثم يقولون : قد يستعمل لفظ القضاء في الأداء، فيجعلون اللغة التي نزل القرآن بها من النادر.


الصفحة التالية
Icon