وقد تبين أن جميع المجتهدين إنما قالوا بعلم، واتبعوا العلم، وأن [ الفقه ] من أجل العلوم، وأنهم ليسوا من الذين لا يتبعون إلا الظن، لكن بعضهم قد يكون عنده علم ليس عند الآخر؛ إما بأن سمع ما لم يسمع الآخر، وإما بأن فهم ما لم يفهم الآخر، كما قال تعالى :﴿ وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [ الأنبياء : ٧٨، ٧٩ ].
وهذه حال أهل الاجتهاد والنظر والاستدلال في الأصول والفروع، ولم يفرق أحد من السلف والأئمة بين أصول وفروع.
بل جعل الدين قسمين : أصولا، وفروعًا، لم يكن معروفًا في الصحابة والتابعين، ولم يقل أحد من السلف والصحابة والتابعين : إن المجتهد الذي استفرغ وسعه في طلب الحق يأثم لا في الأصول ولا في الفروع، ولكن هذا التفريق ظهر من جهة المعتزلة، وأدخله في أصول الفقه من نقل ذلك عنهم، وحكوا عن عبيد اللّه بن الحسن العنبري [ هو عبد اللّه بن الحسن بن حصين بن أبي الحر العنبري، وثقه النسائي وابن سعد وابن حبان، ولد سنة خمس ومائة، وتوفى في ذي القعدة سنة ثمان وستين ومائة ] أنه قال : كل مجتهد مصيب، ومراده أنه لا يأثم.
وهذا قول عامة الأئمة كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما.