والقرآن فيه مئون من الآيات تدل على هذا الأصل، وأما الأحاديث فلا تحصى، وهذا قول أئمة السنة والسلف وجمهور العقلاء؛ ولهذا قال عبد اللّه بن المبارك والإمام أحمد بن حنبل وغيرهما : لم يزل متكلمًا إذا شاء وكيف شاء. وهذا قول عامة أهل السنة؛ فلهذا اتفقوا على أن القرآن كلام اللّه منزل غير مخلوق، ولم نعرف عن أحد من السلف أنه قال : هو قديم لم يزل. والذين قالوا من المتأخرين : هو قديم، كثير منهم من لم يتصور المراد، بل منهم من يقول : هو قديم في علمه، ومنهم من يقول : قديم، أي متقدم الوجود، متقدم على ذات زمان المبعث، لا أنه أزلي لم يزل، ومنهم من يقول : بل مرادنا بقديم أنه غير مخلوق، وقد بسط الكلام على هذا في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أنه على هذا الأصل إذا خلق المخلوقات رآها وسمع أصوات عباده، وكان ذلك بمشيئته وقدرته؛ إذ كان خلقه لهم بمشيئته وقدرته، وبذلك صاروا يرون ويسمع كلامهم. وقد جاء في القرآن والسنة في غير موضع أنه يخص بالنظر والاستماع بعض المخلوقات، كقوله :( ثلاثة لا يكلمهم اللّه، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم : مَلِك كذاب، وشيخ زان، وعائل مُستكبر ).
وكذلك في الاستماع، قال تعالى :﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [ الانشقاق : ٢ ] أي : استمعت. وقال النبي ﷺ :( ما أذِنَ اللّه لشيء كإذنه لنبي حسن الصوت، يتغنى بالقرآن يجهر به ). وقال :( للّه أشد أذنًا إلى صاحب القرآن من صاحب الْقَيْنَة إلى قينته )، فهذا تخصيص بالأذن وهو الاستماع لبعض الأصوات دون بعض.


الصفحة التالية
Icon