ومن قال من السلف : إن المتشابه لا يعلم تأويله إلا اللّه فقد أصاب أيضًا، ومراده بالتأويل ما استأثر اللّه بعلمه، مثل وقت الساعة، ومجىء أشراطها، ومثل كيفية نفسه، وما أعده في الجنة لأوليائه.
وكان من أسباب نزول الآية احتجاج النصارى بما تشابه عليهم، كقوله :﴿ إنَّا ﴾ و ﴿ نحن ﴾، وهذا يعرف العلماء أن المراد به الواحد المعظم الذي له أعوان، لم يرد به أن الآلهة ثلاثة، فتأويل هذا الذي هو تفسيره يعلمه الراسخون، ويفرقون بين ما قيل فيه :﴿ إيَّاي ﴾ وما قيل فيه :﴿ إنَّا ﴾ لدخول الملائكة فيما يرسلهم فيه، إذ كانوا رسله، وأما كونه هو المعبود الإله فهو له وحده؛ ولهذا لا يقول : فإيانا فاعبدوا، ولا إيانا فارهبوا، بل متى جاء الأمر بالعبادة والتقوى والخشية والتوكل ذكر نفسه وحده باسمه الخاص، وإذا ذكر الأفعال التي يرسل فيها الملائكة قال :﴿ إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا ﴾ [ الفتح : ١ ]، ﴿ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ﴾ [ القيامة : ١٨ ]، ﴿ نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ ﴾ [ القصص : ٣ ]، ونحو ذلك، مع أن تأويل هذا ـ وهو حقيقة ما دل عليه من الملائكة وصفاتهم وكيفية إرسال الرب لهم ـ لا يعلمه إلا اللّه، كما قد بسط في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن الواجب أن يجعل ما قاله اللّه ورسوله هو الأصل، ويتدبر معناه ويعقل، ويعرف برهانه ودليله إما العقلي، وإما الخبري السمعي، ويعرف دلالة القرآن على هذا وهذا، وتجعل أقوال الناس التي قد توافقه وتخالفه متشابهة مجملة، فيقال لأصحاب هذه الألفاظ : يحتمل كذا وكذا، ويحتمل كذا وكذا، فإن أرادوا بها ما يوافق خبر الرسول قُبل، وإن أرادوا بها ما يخالفه رد.


الصفحة التالية
Icon