وكذلك ما ابتدعه في هذه الطريق ابن سينا وأتباعه من الاستدلال بالممكن على الواجب أبطل من ذلك، كما قد بسط ذلك في غير هذا الموضع، وحقيقته أن كل موجود فهو ممكن ليس في الوجود موجود بنفسه، مع أنهم جعلوا هذا طريقًا لإثبات الواجب بنفسه، كما يجعل أولئك هذا طريقًا لإثبات القديم، وكلاهما يناقض ثبوت القديم والواجب فليس في واحد منهما إثبات قديم ولا واجب بنفسه، مع أن ثبوت موجود قديم وواجب بنفسه معلوم بالضرورة.
ولهذا صار حذاق هؤلاء إلى أن الموجود الواجب والقديم هو العالم بنفسه، وقالوا : هو اللّه، وأنكروا أن يكون للعالم رب مباين للعالم؛ إذ كان ثبوت القديم الواجب بنفسه لابد منه على كل قول، وفرعون ونحوه ممن أنكر الصانع ما كان ينكر هذا الوجود المشهود، فلما كان حقيقة قول أولئك يستلزم أنه ليس موجود قديم ولا واجب، لكنهم لا يعرفون أن هذا يلزمهم، بل يظنون أنهم أقاموا الدليل على إثبات القديم الواجب بنفسه.
ولكن وصفوه بصفات الممتنع، فقالوا : لا داخل العالم ولا خارجه ولا هو صفة ولا موصوف، ولا يشار إليه، ونحو ذلك من الصفات السلبية التي تستلزم عدمه، وكان هذا مما تنفر عنه العقول والفطر، ويعرف أن هذا صفة المعدوم الممتنع لا صفة الموجود، فدليلهم في نفس الأمر يستلزم أنه ما ثَمَّ قديم ولا واجب، ولكن ظنوا أنهم أثبتوا القديم والواجب، وهذا الذي أثبتوه هو ممتنع، فما أثبتوا قديمًا ولا واجبًا.


الصفحة التالية
Icon