والمقصود هنا أن الأصل الذي أضلهم قولهم : ما قامت به الصفات والأفعال، والأمور الاختيارية أو الحوادث فهو حادث، ثم قالوا : والجسم لا يخلو من الحوادث، وأثبتوا ذلك بطرق؛ منهم من قال : لا يخلو عن الأكوان الأربعة : الحركة والسكون والاجتماع والافتراق. ومنهم من قال : لا يخلو عن الحركة والسكون فقط. ومنهم من قال : لا يخلو عن الأعراض، والأعراض كلها حادثة، وهي لا تبقى زمانين، وهذه طريقة الآمدي، وزعم أن أكثر أصحاب الأشعرية اعتمدوا عليها، والرازى اعتمد على طريقة الحركة والسكون.
وقد بسط الكلام على هذه الطرق، وجميع ما احتجوا به على حدوث الجسم وإمكانه، وذكرنا في ذلك كلامهم هم أنفسهم فى فساد جميع هذه الطرق، وأنهم هم بينوا فساد جميع ما استدل به على حدوث الجسم وإمكانه، وبينوا فسادها طريقًا طريقًا بما ذكروه، كما قد بسط هذا فى غير هذا الموضع.
وأما الهشامية والكَرَّامية، وغيرهم، ممن يقول بأنه جسم قديم، فقد شاركوهم في أصل هذه المقالة، لكن لم يقولوا بحدوث كل جسم، ولا قالوا : إن الجسم لا ينفك عن الحوادث؛ إذ كان القديم عندهم جسمًا قديمًا وهو خال من الحوادث، وقد قيل : أول من قال في الإسلام : إن القديم جسم هو هشام بن الحكم [ هو هشام بن الحكم الشيباني، من أهل الكوفة، متكلم مناظر، من كبار الرافضة ومشاهيرهم، له مصنفات كثيرة منها [ الإمامة ] و [ القدر ] و [ الرد على من قال بإمامة المفضول ]، يقال : إنه عاش إلى خلافة المأمون، وتوفى سنة ٩٧١هـ ]، كما أن أول من أظهر في الإسلام نفي الجسم هو الجهم بن صفوان.


الصفحة التالية
Icon