وكلام السلف والأئمة في ذم الجهمية كثير مشهور، فإن مرض التعطيل شر من مرض التجسيم، وإنما كان السلف يذمون المشبهة، كما قال الإمام أحمد بن حنبل ـ رضي اللّه عنه ـ وإسحاق بن راهويه وغيرهما، قالوا : المشبهة الذين يقولون : بصر كبصري، ويد كيدي، وقدم كقدمي. وابن كلاب ومن تبعه أثبتوا الصفات التي لا تتعلق بمشيئته وقدرته، فأما التي تتعلق بمشيئته وقدرته فينفونها، قالوا : لأنها حادثة ولو قامت به الحوادث لكان حادثًا؛ لأن ما قبل الشيء لم يخل عنه وعن ضده، فلو قبل بعض هذه الحوادث لم يخل منه ومن ضده فلم يخل من الحوادث فيكون حادثًا.
ومحمد بن كرَّام كان بعد ابن كُلاَّب في عصر مسلم بن الحجاج، أثبت أنه يوصف بالصفات الاختياريات، ويتكلم بمشيئته وقدرته، ولكن عنده يمتنع أنه كان في الأزل متكلمًا بمشيئته وقدرته؛ لامتناع حوادث لا أول لها، فلم يقل بقول السلف : إنه لم يزل متكلمًا إذا شاء بل قال : إنه صار يتكلم بمشيئته وقدرته، كما صار يفعل بمشيئته وقدرته بعد أن لم يكن كذلك، وقال هو وأصحابه في المشهور عنه : إن الحوادث التي تقوم به لا يخلو منها ولا يزول عنها؛ لأنه لو قامت به الحوادث ثم زالت عنه كان قابلاً لحدوثها وزوالها، وإذا كان قابلاً لذلك لم يخل منه، وما لم يخل من الحوادث فهو حادث، وإنما يقبل على أصلهم أنه تقوم به الحوادث فقط، كما يقبل أن يفعلها ويحدثها، ولا يلزم من ذلك أنها لم تخل منه، كما لم يلزم أنه لم يزل فاعلا لها. والحدوث عندهم غير الأحداث. والقرآن عندهم حادث لا محدث؛ لأن المحدث يفتقر إلى إحداث بخلاف الحدوث.