وهم إذا قالوا : كان خاليًا منها في الأزل وكان ساكنًا، لم يقولوا : إنه قام به حادث، بل يقولون : السكون أمر عدمي كما يقوله الفلاسفة ولكن الحركة أمر وجودي، بخلاف ما يقوله من يقوله من المعتزلة والأشعرية : إن السكون أمر وجودي كالحركة، فإذا حصل به حادث لم يكن ثم عدم هذا الحادث، فإنما يعدم الحادث بإحداث يقوم به وهذا ممتنع، وهم يقولون : إنه يمتنع عدم الجسم، وعندهم أن الباري يقوم به إحداث المخلوقات وإفناؤها، فالحوادث التي تقوم بهم تقوم به لو أفناها لقام به الإحداث والإفناء، فكان قابلاً لأن يحدث فيه حادث ويفني ذلك الحادث، وما كان كذلك لم يخل من إحداث وإفناء فلم يخل من الحوادث، و ما لم يخل منها فهو حادث، وإنما كان كذلك لأن القابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده كما قالت الكلابية، لكن المعتزلة يقولون : السكون ضد الحركة فالقابل لأحدهما لا يخلو عنه وعن الآخر، وهؤلاء يقولون : السكون ليس بضد وجودي، بل هو عدمي، وإنما الوجودي هو الإحداث والإفناء، فلو قبل قيام الإحداث والإفناء به لكان قابلاً لقيام الأضداد الوجودية، والقابل للشيء لا يخلو عنه وعن ضده.
وهؤلاء لما أراد منازعوهم إبطال قولهم، كان عمدتهم بيان تناقض أقوالهم، كما ذكر ذلك أبو المعالي وأتباعه، وكما ذكر الآمدي تناقضهم من وجوه كثيرة، قد ذكرت في غير هذا الموضع، وغايتها أنها تدل على مناقضتهم لا على صحة مذهب المنازع.


الصفحة التالية
Icon