وأما هؤلاء فهم من وجه ينافقون المسلمين، فلا يمكنهم إظهار جحود الصانع، ومن وجه هم ضلال يحسبون أنهم على حق، وأن الخالق هو المخلوق، فكان قولهم هو قول فرعون، لكن فرعون كان معاندًا مظهرًا للجحود والعناد، وهؤلاء إما جُهَّال ضلال، وإما منافقون مبطنون الإلحاد والجحود، يوافقون المسلمين في الظاهر.
وحدثني الشيخ عبد السيد الذي كان قاضي اليهود ثم أسلم، وكان من أصدق الناس، ومن خيار المسلمين وأحسنهم إسلامًا، أنه كان يجتمع بشيخ منهم يقال له : الشرف البلاسي، يطلب منه المعرفة والعلم، قال : فدعاني إلى هذا المذهب فقلت له : قولكم يشبه قول فرعون، قال : ونحن على قول فرعون ! فقلت لعبد السيد : واعترف لك بهذا ؟ قال : نعم ! وكان عبد السيد إذ ذاك قد ذاكرني بهذا المذهب، فقلت له : هذا مذهب فاسد وهو يؤول إلى قول فرعون، فحدثني بهذا، فقلت له : ما ظننت أنهم يعترفون بأنهم على قول فرعون، لكن مع إقرار الخصم ما يُحتاج إلى بينة، قال عبد السيد : فقلت له : لا أدع موسى وأذهب إلى فرعون، فقال : ولم ؟ قلت : لأن موسى أغرق فرعون فانقطع، واحتج عليه بالظهور الكوني، فقلت لعبد السيد ـ وكان هذا قبل أن يسلم : نفعتك اليهودية، يهودي خير من فرعوني.
وفيهم جماعات لهم عبادة وزهد وصدق فيما هم فيه، وهم يحسبون أنه حق، وعامتهم ـ الذين يقرون ظاهرًا وباطنًا بأن محمدًا رسول اللّه، وأنه أفضل الخلق أفضل من جميع الأنبياء والأولياء ـ لا يفهمون حقيقة قولهم، بل يحسبون أنه تحقيق ما جاء به الرسول، وأنه من جنس كلام أهل المعرفة الذين يتكلمون في حقائق الإيمان والدين، وهم من خواص أولياء اللّه فيحسبون هؤلاء من جنس أولئك، من جنس الفضيل بن عياض، وإبراهيم بن أدهم، وأبي سليمان الداراني، والسري السقطي، والجنيد بن محمد، وسهل ابن عبد اللّه، وأمثال هؤلاء.