وأما عرافهم الذين يعلمون حقيقة قولهم فيعلمون أنه ليس الأمر كذلك، ويقولون ما يقول ابن عربي ونحوه : إن الأولياء أفضل من الأنبياء، وإن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء، وإن جميع الأنبياء يستفيدون معرفة اللّه من مشكاة خاتم الأولياء، وإنه يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يأتي خاتم الأنبياء، فإنهم متجهمة متفلسفة، يخرجون أقوال المتفلسفة والجهمية في قالب الكشف.
وعند المتفلسفة : أن جبريل إنما هو خيال في نفس النبي، ليس هو ملكًا يأتي من السماء، والنبي عندهم يأخذ من هذا الخيال، وأما خاتم الأولياء في زعمهم فإنه يأخذ من العقل المجرد الذي يأخذ منه الخيال؛ فهو يأخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إلى الرسول.
وهم يعظمون فرعون، ويقولون ما قاله صاحب [ الفصوص ] قال : ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه جار في العرف الناموسي، لذلك قال :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [ النازعات : ٢٤ ] أي وإن كان الكل أربابًا بنسبة ما فأنا الأعلى منهم بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيكم. قال : ولما علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله لم ينكروه وأقروا له بذلك. وقالوا له :﴿ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ [ طه : ٧٢ ] قال : فصح قول فرعون :﴿ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ وإن كان فرعون عين الحق.