وكان غير هذا من المشايخ من يذكر عن الشيخ محمد بن السكران أن هولاكو ـ ملك المشركين ـ لما دخل بغداد رأى ابن السكران شيخًا محلوق الرأس على صورة شيخ من مشايخ الدين والطريق، آخذًا بفرس هولاكو، قال : فلما رأيته أنكرت هذا واستعظمت أن يكون شيخ من شيوخ المسلمين يقود فرس ملك المشركين لقتل المسلمين، فقلت : يا هذا - أو كلمة نحو هذا- فقال : تأمر بأمر، أو قال له : هل يفعل هذا بأمر أو فعلت هذا بأمر ؟ فقلت : نعم بأمر. فسكت ابن السكران، وأقنعه هذا الجواب، وكان هذا لقلة علمه بالفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، وظن أن ما يؤمر به الشيوخ في قلوبهم هو من اللّه، وأن من قال : حدثني قلبي عن ربي، فإن اللّه هو يناجيه. ومن قال : أخذتم علمكم ميتًا عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت، هو كذلك، وهذا أضل ممن ادعى الاستغناء عن الأنبياء وأنه لا يحتاج إلى واسطتهم.
وجواب هذا أن يقال له : بأمر من تأمر ؟ فإن قال : بأمر اللّه، قيل : بأمر اللّه الذي بعث به رسوله وأنزل به القرآن، أم بأمر وقع في قلبك ؟
فإن قال بالأول، ظهر كذبه؛ فإنه ليس فيما يأمر اللّه به رسوله أن يأتي بالكفار المشركين وأهل الكتاب لقتل المسلمين وسبيهم وأخذ أموالهم لأجل ذنوب فعلوها، ويجعل الدار تعبد بها الأوثان، ويضرب فيها بالنواقيس، ويقتل قراء القرآن وأهل العلم بالشرع، ويعظم النجسية علماء المشركين وقساقسة النصارى وأمثال ذلك؛ فإن هؤلاء أعظم عداوة لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهم من جنس مشركي العرب الذين قاتلوه يوم أحد، وأولئك عصاة من عصاة أمته، وإن كان فيهم منافقون كثيرون، فالمنافقون يبطنون نفاقهم.


الصفحة التالية
Icon