وإن قال : بأمر وقع في قلبي لم يكذب، لكن يقال : من أين لك أن هذا رحماني ؟ ولم لا يكون الشيطان هو الذي أمرك بهذا ؟ وقد علمت أن ما يقع في قلوب المشركين وأهل الكتاب هو من الشيطان، فإن رجع إلى توحيد الربوبية وأن الجميع بمشيئته قيل له : فحينئذ يكون ما يفعله الشيطان والمشركون وأهل الكتاب هو بالأمر، ولا ريب أنه بالأمر الكوني القدري، فجميع الخلق داخلون تحته، لكن من فعل بمجرد هذا الأمر لا بأمر الرسول فإنما يكون من جنس شياطين الإنس والجن، وهو مستوجب لعذاب اللّه في الدنيا والآخرة، وهو عابد لغير اللّه، متبع لهواه، وهو ممن قال اللّه فيه :﴿ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص : ٨٥ ] وممن قال فيهم الشيطان :﴿ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِين ﴾ [ ص : ٨٢، ٨٣ ] قال اللّه :﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ﴾ [ الحجر : ٤٢ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ﴾ [ النحل : ٩٩، ١٠٠ ]، وقال تعالى :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً قَالُواْ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٧، ٢٨ ]. فكيف تأمر بالشرك والكفر، وتسلط الكفار من المشركين وأهل الكتاب على المسلمين وقتل الكفار للمسلمين هذا لا يأمر اللّه به كما لا يأمر بالفحشاء ؟ ! فإن هذا من أفحش الفواحش إذا جعلت الفاحشة اسما لكل ما يعظم قبحه، فكانت جميع القبائح السيئة


الصفحة التالية
Icon