ثم إنهم يدعون أنهم أعلم باللّه من المرسلين، وأن الرسل إنما تستفيد معرفة اللّه من مشكاتهم، ويفسرون القرآن بما يوافق باطنهم الباطل، كقوله :﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ ﴾ [ نوح : ٢٥ ] فهي التي خطت بهم فغرقوا في بحار العلم باللّه، وقولهم : إن العذاب مشتق من العذوبة، ويقولون : إن كلام نوح في حق قومه ثناء عليهم بلسان الذم، ويفسرون قوله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ [ البقرة : ٦ ] بعلم الظاهر، بل ﴿ خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ ﴾ فلا يعلمون غيره ﴿ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ ﴾ [ البقرة : ٧ ] فلا يسمعون من غيره ولا يرون غيره، فإنه لا غير له فلا يرون غيره. ويقولون في قوله :﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [ الإسراء : ٢٣ ]، أن معناه : قدر ذلك؛ لأنه ليس ثَمَّ موجود سواه، فلا يتصور أن يعبد غيره، فكل من عبد الأصنام والعجل ما عبد غيره؛ لأنه ما ثَم غير. وأمثال هذه التأويلات والتفسيرات التي يعلم كل مؤمن وكل يهودي ونصراني علمًا ضروريًا أنها مخالفة لما جاءت به الرسل، كموسى وعيسى ومحمد صلى اللّه عليهم أجمعين.
وجماع القول في ذلك أن هذا الباب نوعان :
أحدهما : أن يكون المعنى المذكور باطلاً؛ لكونه مخالفًا لما علم، فهذا هو في نفسه باطل، فلا يكون الدليل عليه إلا باطلا؛ لأن الباطل لا يكون عليه دليل يقتضى أنه حق.
والثاني : ما كان في نفسه حقًا، لكن يستدلون عليه من القرآن والحديث بألفاظ لم يرد بها ذلك، فهذا الذي يسمونه [ إشارات ]، و [ حقائق التفسير ] لأبي عبد الرحمن فيه من هذا الباب شىء كثير.


الصفحة التالية
Icon