ومن تمام هذا أن تعلم : أن النبي ﷺ لم يخص أحدًا من أصحابه بخطاب في علم الدين قصد كتمانه عن غيره، ولكن كان قد يسأل الرجل عن المسألة التي لا يمكن جوابها، فيجيبه بما ينفعه؛ كالأعرابي الذي سأله عن الساعة، والساعة لا يعلم متى هى. فقال :( ما أعددتَ لها ؟ ) فقال : ما أعددتُ لها من كثير عَمَلٍ، ولكني أحب اللّه ورسوله، فقال :( المرء مع من أحب )، فأجابه بالمقصود من علمه بالساعة، ولم يكن يخاطب أصحابه بخطاب لا يفهمونه، بل كان بعضهم أكمل فهما لكلامه من بعض، كما في الصحيحين عن أبي سعيد أن رسول اللّّه ﷺ قال :( إن عبدًا خَيَّرَهُ اللّه بين الدنيا والآخرة، فاختار ذلك العبدُ ما عند اللّه ). فبكى أبو بكر وقال : بل نفديك بأنفسنا وأموالنا يا رسول اللّه، فجعل الناس يعجبون أن ذكر رسول اللّه ﷺ عبدًا خيره اللّه بين الدنيا والآخرة قال : وكان رسول اللّه ﷺ هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به، فالنبي ﷺ ذكر عبدًا مطلقًا لم يعينه، ولا في لفظه ما يدل عليه، لكن أبو بكر ـ لكمال معرفته بمقاصد الرسول ﷺ ـ علم أنه هو ذلك العبد، فلم يخص عنهم بباطن يخالف الظاهر، بل يوافقه ولا يخالف مفهوم لفظه ومعناه.


الصفحة التالية
Icon