وأما ما يرويه بعض الكذابين عن عمر أنه قال : كان النبي ﷺ وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما. فهذا من أظهر الأكاذيب المختلفة لم يروه أحد من علماء المسلمين في شىء من كتب أهل العلم، وهو من أظْهِر الكذب؛ فإن عمر أفضل الأمة بعد أبي بكر، وهو المحدث الملهم الذي ضرب اللّه الحق على لسانه وقلبه، وهو أفضل المخاطبين المحدثين من هذه الأمة، فإذا كان هو حاضرًا يسمع الألفاظ ولم يفهم الكلام كالزنجي، فهل يتصور أن يكون غيره أفهم منه لذلك ؟ فكيف من لم يسمع ألفاظ الرسول ؟ بل يزعم أن ما يدعيه من المعاني هي تلك المعاني بمجرد الدعوى التي لو كانت مجردة لم تقبل، فكيف إذا قامت البينة على كذب مدعيها ؟
وأما حديث حذيفة، فقد ثبت في الصحيح : أن حذيفة كان يعلم السر الذي لا يعلمه غيره.
وكان ذلك ما أسره إليه النبي ﷺ عام تبوك من أعيان المنافقين؛ فإنه روى أن جماعة من المنافقين أرادوا أن يحلوا حزام ناقة رسول اللّه ﷺ بالليل ليسقط عن بعيره فيموت، وأنه أوحى إليه بذلك، وكان حذيفة قريبًا منه فأسر إليه أسماءهم.
ويقال : إن عمر لم يكن يصلي على أحد حتى يصلي عليه حذيفة، وهذا ليس فيه شيء من حقائق الدين، ولا من الباطن الذي يخالف الظاهر؛ فإن اللّه قد ذكر في كتابه من صفات المنافقين وأخبارهم ما ذكره، حتى إن سورة [ براءة ] سميت الفاضحة؛ لكونها فضحت المنافقين، وسميت المبعثرة، وغير ذلك من الأسماء، لكن القرآن لم يذكر فلانًا وفلانًا، فإذا عرف بعض الناس أن فلانًا وفلانًا من هؤلاء المنافقين الموصوفين كان ذلك بمنزلة تعريفه أن فلانًا وفلانًا من المؤمنين الموعودين بالجنة، فإخباره ﷺ أن أبا بكر وعمر وغيرهما في الجنة، كإخباره أن أولئك منافقون، وهذا إذا كان من العلم الباطن، فهو من الباطن الموافق للظاهر المحقق له المطابق له.