ونظيره في [ الأمر ] ما يسمى :[ تحقيق المناط ]، وهو أن يكون الشارع قد علق الحكم بوصف، فنعلم ثبوته في حق المعين، كأمره باستشهاد ذوي عدل، ولم يعين فلانًا وفلانًا، فإذا علمنا أن هذا ذو عدل، كنا قد علمنا أن هذا المعين موصوف بالعدل المذكور في القرآن. وكذلك لما حرم اللّه الخمر والميسر، فإذا علمنا أن هذا الشراب المصنوع من الذرة والعسل خمرًا، علمنا أنه داخل في هذا النص، فَعِلْمُنَا بأعيان المؤمنين وأعيان المنافقين هو من هذا الباب، وهذا هو من تأويل القرآن.
وهذا على الإطلاق لا يعلمه إلا اللّه؛ فإن اللّه يعلم كل مؤمن وكل منافق، ومقادير إيمانهم ونفاقهم وما يُختم لهم.
وأما الرسول فقد قال تعالى :﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾ [ التوبة : ١٠١ ] فاللّه يُطْلِعُ رسوله ومن شاء من عباده على ما يشاء من ذلك.
وأما حديث أبي هريرة، فهو حديث صحيح، قال : حفظت من رسول اللّه ﷺ جرابين، فأما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا البلعوم. ولكن ليس في هذا من الباطن الذي يخالف الظاهر شيء، بل ولا فيه من حقائق الدين، وإنما كان في ذلك الجراب الخبر عما سيكون من الملاحم والفتن، فالملاحم الحروب التي بين المسلمين والكفار، والفتن ما يكون بين المسلمين؛ ولهذا قال عبد اللّه بن عمر : لو أخبركم أبوهريرة أنكم تقتلون خليفتكم، وتفعلون كذا وكذا لقلتم : كذب أبو هريرة. وإظهار مثل هذا مما تكرهه الملوك؛ وأعوانهم؛ لما فيه من الإخبار بتغير دولهم.