فعلى المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة، وأن يجتهد في أن يعرف ما أخبر به الرسول وأمر به علمًا يقينيًا، وحينئذ فلا يدع المحكم المعلوم للمشتبه المجهول، فإن مثال ذلك مثل من كان سائرًا إلى مكة في طريق معروفة لا شك أنها توصله إلى مكة إذا سلكها، فعدل عنها إلى طريق مجهولة لا يعرفها ولا يعرف منتهاها، وهذا مثال من عدل عن الكتاب والسنة إلى كلام من لايدري هل يوافق الكتاب والسنة أو يخالف ذلك.
وأما من عارض الكتاب والسنة بما يخالف ذلك، فهو بمنزلة من كان يسير على الطريق المعروفة إلى مكة، فذهب إلى طريق قبرص يطلب الوصول منها إلى مكة، فإن هذا حال من ترك المعلوم من الكتاب والسنة إلى ما يخالف ذلك من كلام زيد وعمرو كائنًا من كان. فإن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول اللّه ﷺ. وقد رأيت في هذا الباب من عجائب الأمور ما لا يحصيه إلا العليم بذات الصدور.
وأما الحديث المأثور :( إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم باللّه، فإذا ذكروه لم ينكره إلا أهل الغِرَّة باللّه )، فهذا قد رواه أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام في كتابه الذي سماه [ الفاروق بين المثبتة والمعطلة ]، وذكر فيه أحاديث الصفات صحيحها وغريبها، ومسندها ومرسلها، وموقوفها. وذكره أيضًا أبو حامد الغزالي في كتبه. ثم هذا يفسره بما يناسب أقواله التي يميل فيها إلى ما يشبه أقوال نفاة الصفات من الفلاسفة ونحوهم.