وتارة يكون [ الإحكام ] في إبقاء التنزيل عند من قابله بالنسخ الذي هو رفع ما شرع وهو اصطلاحي، أو يقال ـ وهو أشبه بقول السلف ـ : كانوا يسمون كل رفع نسخًا، سواء كان رفع حكم أو رفع دلالة ظاهرة. وإلقاء الشيطان في أمنيته قد يكون في نفس لفظ المبلغ، وقد يكون في سمع المبلغ، وقد يكون في فهمه كما قال :﴿ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ﴾ الآية [ الرعد : ١٧ ]. ومعلوم أن من سمع النص الذي قد رفع حكمه أو دلالة له، فإنه يلقي الشيطان في تلك التلاوة اتباع ذلك المنسوخ فيحكم اللّه آياته بالناسخ الذي به يحصل رفع الحكم وبيان المراد. وعلى هذا التقدير فيصح أن يقال : المتشابه المنسوخ بهذا الاعتبار، واللّه أعلم.
وتارة يكون [ الإحكام ] في التأويل والمعنى، وهو تمييز الحقيقة المقصودة من غيرها حتى لا تشتبه بغيرها. وفي مقابلة المحكمات الآيات المتشابهات التي تشبه هذا وتشبه هذا، فتكون محتملة للمعنيين. قال أحمد بن حنبل : المحكم : الذي ليس فيه اختلاف، والمتشابه : الذي يكون في موضع كذا وفي موضع كذا.
ولم يقل في المتشابه : لا يعلم تفسيره ومعناه إلا اللّه، وإنما قال :﴿ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ ﴾ [ آل عمران : ٧ ]، وهذا هو فصل الخطاب بين المتنازعين في هذا الموضع؛ فإن الله أخبر أنه لا يعلم تأويله إلا هو. والوقف هنا على ما دل عليه أدلة كثيرة وعليه أصحاب رسول اللّه ﷺ وجمهور التابعين وجماهير الأمة.