فأخبر ـ سبحانه ـ أن هذا القرآن ما كان ليفترى من دون اللّه، وهذه الصيغة تدل على امتناع المنفي كقوله :﴿ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ ﴾ [ هود : ١١٧ ]، وقوله :﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ [ الأنفال : ٣٣ ]، لأن الخلق عاجزون عن الإتيان بمثله، كما تحداهم وطالبهم لما قال :﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ يونس : ٣٨ ] فهذا تعجيز لجميع المخلوقين، قال تعالى :﴿ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ﴾ [ يونس : ٣٧ ] أي : مصدق الذي بين يديه ﴿ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ ﴾ [ يونس : ٣٧ ] أي مفصل الكتاب فأخبر أنه مصدق الذي بين يديه ومفصل الكتاب. والكتاب اسم جنس، وتحدي القائلين :﴿ افْتَرَاهُ ﴾، ودل على أنهم هم المفترون، قال :﴿ بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ﴾ [ يونس : ٣٩ ] أي : كذبوا بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله، ففرق بين الإحاطة بعلمه وبين إتيان تأويله، فتبين أنه يمكن أن يحيط أهل العلم والإيمان بعلمه ولما يأتهم تأويله، وأن الإحاطة بعلم القرآن ليست إتيان تأويله؛ فإن الإحاطة بعلمه معرفة معاني الكلام على التمام، وإتيان التأويل نفس وقوع المخبر به، وفرق بين معرفة الخبر وبين المخبر به، فمعرفة الخبر هي معرفة تفسير القرآن، ومعرفة المخبر به هي معرفة تأويله.