والذين ادعوا العلم بالتأويل مثل طائفة من السلف وأهل السنة وأكثر أهل الكلام والبدع، رأوا أيضًا أن النصوص دلت على معرفة معاني القرآن، ورأوا عجزًا وعيبًا وقبيحًا أن يخاطب اللّه عباده بكلام يقرؤونه ويتلونه وهم لا يفهمونه، وهم مصيبون فيما استدلوا به من سمع وعقل، لكن أخطؤوا في معنى التأويل الذي نفاه اللّه، وفي التأويل الذي أثبتوه. وتسلق بذلك مبتدعتهم إلى تحريف الكلم عن مواضعه، وصار الأولون أقرب إلى السكوت والسلامة بنوع من الجهل، وصار الآخرون أكثر كلامًا وجدالا ولكن بفرية على اللّه، وقول عليه ما لا يعلمونه، وإلحاد في أسمائه وآياته، فهذا هذا.
ومنشأ الشبهة الاشتراك في لفظ التأويل.
فإن ( التأويل ) في عرف المتأخرين من المتفقهة والمتكلمة والمحدثة والمتصوفة ونحوهم هو : صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به. وهذا هو التأويل الذي يتكلمون عليه في أصول الفقه ومسائل الخلاف، فإذا قال أحدهم : هذا الحديث أو هذا النص مؤول أو هو محمول على كذا، قال الآخر : هذا نوع تأويل، والتأويل يحتاج إلى دليل، والمتأول عليه وظيفتان : بيان احتمال اللفظ للمعنى الذي ادعاه، وبيان الدليل الموجب للصرف إليه عن المعنى الظاهر. وهذا هو التأويل الذي يتنازعون فيه في مسائل الصفات إذا صنف بعضهم في إبطال التأويل، أو ذم التأويل، أو قال بعضهم : آيات الصفات لا تؤول. وقال الآخر : بل يجب تأويلها، وقال الثالث : بل التأويل جائز يفعل عند المصلحة ويترك عند المصلحة أو يصلح للعلماء دون غيرهم، إلى غير ذلك من المقالات والتنازع.
وأما [ التأويل ] في لفظ السلف فله معنيان :