ومن الناس من يقول : فوعل، ويقول : أولة، إلا أن هذا يحتاج إلى شاهد من كلام العرب، بل عدم صرفه يدل على أنه أفعل لا فوعل؛ فإن فوعل مثل كوثر وجوهر مصروف، سمى المتقدم أول ـ واللّه أعلم ـ لأن ما بعده يؤول إليه ويبنى عليه، فهو أس لما بعده وقاعدة له. والصيغة صيغة تفضيل لا صفة. مثل أكبر وكبرى وأصغر وصغرى، لا من باب أحمر وحمراء؛ ولهذا يقولون : جئته من أول أمس، وقال :﴿ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ﴾ [ التوبة : ١٠٨ ] ﴿ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [ الأنعام : ١٦٣ ]، ﴿ وَلاَ تَكُونُواْ أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ﴾ [ البقرة : ٤١ ] فإذا قيل : هذا أول هؤلاء فهو الذي فضل عليهم في الأول؛ لأن كل واحد يرجع إلى ما قبله فيعتمد عليه، وهذا السابق كلهم يؤول إليه، فإن من تقدم في فعل فاستن به من بعده كان السابق الذي يؤول الكل إليه، فالأول له وصف السؤدد والاتباع.
ولفظ [ الأول ] مشعر بالرجوع والعود، و [ الأوّل ] مشعر بالابتداء والمبتدأ، خلاف العائد؛ لأنه إنما كان أولا لما بعده فإنه يقال :[ أول المسلمين ] و [ أول يوم ] فما فيه من معنى الرجوع والعود هو للمضاف إليه لا للمضاف.
وإذا قلنا : آل فلان، فالعود إلى المضاف؛ لأن ذلك صيغة تفضيل في كونه مآلا ومرجعًا لغيره؛ لأن كونه مفضلا دل على أنه مآل ومرجع لا آيل راجع؛ إذ لا فضل في كون الشىء راجعًا إلى غيره آيلا إليه، وإنما الفضل في كونه هو الذي يرجع إليه ويؤول إليه. فلما كانت الصيغة صيغة تفضيل أشعرت بأنه مفضل في كونه مآلا ومرجعًا، والتفضيل المطلق في ذلك يقتضى أن يكون هو السابق المبتدئ. واللّه أعلم.