ثم يقال لهذا المعاند : فهل هذه الأسماء دالة على الإله المعبود وعلى حق موجود أم لا ؟ فإن قال : لا، كان معطلاً محضًا، وما أعلم مسلمًا يقول هذا. وإن قال : نعم، قيل له : فلم فهمت منها دلالتها على نفس الرب ولم تفهم دلالتها على ما فيها من المعاني من الرحمة والعلم وكلاهما في الدلالة سواء ؟ فلابد أن يقول : نعم؛ لأن ثبوت الصفات محال في العقل؛ لأنه يلزم منه التركيب أو الحدوث بخلاف الذات. فيخاطب حينئذ بما يخاطب به الفريق الثاني ـ كما سنذكره ـ وهو من أقر بفهم بعض معنى هذه الأسماء والصفات دون بعض. فيقال له : ما الفرق بين ما أثبته وبين ما نفيته أو سكت عن إثباته ونفيه، فإن الفرق إما أن يكون من جهة السمع؛ لأن أحد النصين دال دلالة قطعية أو ظاهرة بخلاف الآخر، أو من جهة العقل بأن أحد المعنيين يجوز أو يجب إثباته دون الآخر، وكلا الوجهين باطل في أكثر المواضع ؟.
أما الأول : فدلالة القرآن على أنه رحمن رحيم ودود سميع بصير عليّ عظيم، كدلالته على أنه عليم قدير، ليس بينهما فرق من جهة النص، وكذلك ذكره لرحمته ومحبته وعلوه، مثل ذكره لمشيئته وإرادته.
وأما الثاني : فيقال لمن أثبت شيئًا ونفى آخر : لم نفيت مثلاً حقيقة رحمته ومحبته وأعدت ذلك إلى إرادته ؟ فإن قال : لأن المعنى المفهوم من الرحمة في حقنا هي رقة تمتنع على اللّه، قيل له : والمعنى المفهوم من الإرادة في حقنا هي ميل يمتنع على اللّه. فإن قال : إرادته ليست من جنس إرادة خلقه، قيل له : ورحمته ليست من جنس رحمة خلقه وكذلك محبته. وإن قال - وهو حقيقة قوله - : لم أثبت الإرادة وغيرها بالسمع، وإنما أثبت العلم والقدرة والإرادة بالعقل، وكذلك السمع والبصر والكلام على إحدى الطريقتين؛ لأن الفعل دل على القدرة، والإحكام دل على العلم، والتخصيص دل على الإرادة، قيل له الجواب من ثلاثة أوجه :