كان جوابه : أن ما ادعى إحالته من ثبوت الصفات ليس بمحال، والنص قد دل عليها والعقل أيضًا، فإذا أخذ الخصم ينازع في دلالة النص أو العقل جعله مسفسطًا أو مقرمطًا، وهذا بعينه موجود في الرحمة والمحبة، فإن خصومه ينازعونه في دلالة السمع والعقل عليها على الوجه القطعي.
ثم يقال لخصومه : بم أثبتم أنه عليم قدير ؟ فما أثبتوه به من سمع وعقل فبعينه تثبت الإرادة، وما عارضوا به من الشبه عورضوا بمثله في العليم والقدير. وإذا انتهى الأمر إلى ثبوت المعاني وأنها تستلزم الحدوث أو التركيب والافتقار، كان الجواب ما قررناه في غير هذا الموضع؛ فإن ذلك لا يستلزم حدوثًا ولا تركيبًا مقتضيًا حاجة إلى غيره.
ويعارضون أيضًا بما ينفي به أهل التعطيل الذات من الشبه الفاسدة، ويلزمون بوجود الرب الخالق المعلوم بالفطرة الخلقية والضرورة العقلية والقواطع النقلية واتفاق الأمم وغير ذلك من الدلائل، ثم يطالبون بوجود من جنس ما نعهده أو بوجود يعلمون كيفيته، فلابد أن يفروا إلى إثبات ما لا تشبه حقيقته الحقائق. فالقول في سائر ما سمى ووصف به نفسه كالقول في نفسه ـ سبحانه وتعالى.
ونكتة هذا الكلام، أن غالب من نفي وأثبت شيئًا مما دل عليه الكتاب والسنة لابد أن يثبت الشيء لقيام المقتضى وانتفاء المانع، وينفي الشيء لوجود المانع أو لعدم المقتضى، أو يتوقف إذا لم يكن له عنده مقتض ولا مانع، فيبين له أن المقتضى فيما نفاه قائم، كما أنه فيما أثبته قائم، إما من كل وجه أو من وجه يجب به الإثبات، فإن كان المقتضى هناك حقًا فكذلك هنا، وإلا فدرء ذاك المقتضى من جنس درء هذا.


الصفحة التالية
Icon