وإنما نكتة الجواب هو ما قدمناه أولاً أن نفي علم التأويل ليس نفيًا لعلم المعنى، ونزيده تقريرًا أن اللّه ـ سبحانه ـ يقول :﴿ وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ ﴾ [ الزمر : ٢٧، ٢٨ ]، وقال تعالى :﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [ يوسف : ١، ٢ ] فأخبر أنه أنزله ليعقلوه، وأنه طلب تذكرهم.
وقال أيضًا :﴿ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [ الحشر : ٢١ ] فحض على تدبره وفقهه وعقله والتذكر به والتفكر فيه ولم يستثن من ذلك شيئًا، بل نصوص متعددة تصرح بالعموم فيه، مثل قوله :﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [ محمد : ٢٤ ]، وقوله :﴿ أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً ﴾ [ النساء : ٨٢ ] ومعلوم أن نفي الاختلاف عنه لا يكون إلا بتدبره كله، وإلا فتدبر بعضه لا يوجب الحكم بنفي مخالفه ما لم يتدبر لما تدبر.
وقال علي ـ رضي اللّه عنه ـ لما قيل له : هل ترك عندكم رسول اللّه ﷺ شيئًا ؟ فقال : لا، والذي فلَقَ الحَبَّةَ وَبَرَأ النَّسَمَة إِلا فهما يؤتيه اللّه عبدًا في كتابه، وما في هذه الصحيفة. فأخبر أن الفهم فيه مختلف في الأمة، والفهم أخص من العلم والحكم، قال اللّه تعالى :﴿ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ﴾ [ الأنبياء : ٧٩ ]، وقال النبي ﷺ :( رُبَّ مُبَلَّغ أَوْعَى من سامع )، وقال :( بَلِّغوا عني ولو آية ).