فصل
في أقسام القرآن
وهو ـ سبحانه ـ يقسم بأمور على أمور، وإنما يقسم بنفسه المقدسة الموصوفة بصفاته، أو بآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته.
فالقسم إما على جملة خبرية، وهو الغالب، كقوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [ الذاريات : ٢٣ ].
وإما على جملة طلبية، كقوله تعالى :﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [ الحجر : ٩٢، ٩٣ ] مع أن هذا القسم قد يراد به تحقيق المقسم عليه، فيكون من باب الخبر، وقد يراد به محض القسم. والمقسم عليه يراد بالقسم توكيده وتحقيقه، فلابد أن يكون مما يحسن فيه ذلك كالأمور الغائبة والخفية إذا أقسم على ثبوتها.
فأما الأمور المشهودة الظاهرة كالشمس والقمر، والليل والنهار، والسماء والأرض، فهذه يقسم بها ولا يقسم عليها، وما أقسم عليه الرب ـ عز وجل ـ فهو من آياته، فيجوز أن يكون مقسمًا به ولا ينعكس.
وهو - سبحانه - يذكر جواب القسم تارة وهو الغالب، وتارة يحذفه كما يحذف جواب لو كثيرًا، كقوله تعالى :﴿ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ ﴾ [ التكاثر : ٥ ]، وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ ﴾ [ الرعد : ٣١ ]، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ ﴾ [ الأنفال : ٥٠ ]، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلَا فَوْتَ ﴾ [ سبأ : ٥١ ]، ﴿ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ ﴾ [ الأنعام : ٢٧ ]، ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ ﴾ [ الأنعام : ٣٠ ].
ومثل هذا حذفه من أحسن الكلام؛ لأن المراد : أنك لو رأيته لرأيت هولاً عظيمًا، فليس في ذكر الجواب زيادة على ما دل.... [ سقط بالأصل ] المحرم وهو أيضًا تنبيه. فإذا أقسم به وفيه الحلال، فإذا كان فيه الحرام كان أولى بالتعظيم، وكذلك إذا أريد الحلول فإنه هو السلبي، فالمعنى واحد.