وقد أقسم بـ ﴿ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ﴾ [ التين : ١ ] و ﴿ الْبَلَدِ الْأَمِينِ ﴾ [ التين : ٣ ]. والجواب مذكور في قوله تعالى :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [ البلد : ٤ ]، وهو مكابدة أمر الدنيا والآخرة. وهذه المكابدة تقتضي قوة صاحبها، وكثرة تصرفه واحتياله، فقال تعالى :﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾ [ البلد : ٥-٧ ] فهذا الإنسان من جنس أولئك الأمم، ومن جنس الذي قال :﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ﴾ [ الحاقة : ٢٨، ٢٩ ] له قوة يكابد بها الأمور، وكُلٍّ أهلكه، أفيظن مع هذا أنه لن يقدر عليه أحد فيجازيه بأعماله ؟ ويحسب أن ما أهلكه من المال لم يره أحد، فيعلم ما فعل ؟
والقدرة والعلم بهما يحصل الجزاء، بل بهما يحصل كل شىء، وإخباره ـ تعالى ـ بأنه قادر وأنه عالم يتضمن الوعيد والتهديد؛ فإنه إذا كان قادرًا أمكن الجزاء، وإذا كان عالمًا أمكن الجزاء، فبالعدل يقدر ما عمل، ومن لم يكن قادرًا عالمًا لم يمكنه الجزاء؛ فإن العاجز عن الشخص لا يمكنه جزاؤه، والذي له قدرة لكن لا يرى ما فعل إن جازاه بلا علم كان ظالمًا معتديًا، فلابد له من العلم بما فعل.
ولهذا كان الحاكم يحتاج إلى الشهود، والملوك يحتاجون إلى أهل الديوان يخبرونهم بمقادير الأموال وغيرها؛ ليكون عملهم بعلم... [ بياض بالأصل ] ذكر أنه خلق الإنسان في كبد، أيحسب أن لن يقدر عليه أحد ؟ و [ لن ] لنفي المستقبل، يقول : أيحسب أن لن يقدر عليه في المستقبل أحد ؟ ولهذا كان ذاك الخائف من ربه، الذي أمر أهله بإحراقه وذرايته، يعلم أن الجزاء متعلق بالقدرة، فقال :( لئن قَدَر اللّه عليّ ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين ).


الصفحة التالية
Icon