وهو ـ سبحانه ـ يهدد بالقدرة لكون المقدور يقترن بها، كما يهدد بالعلم لكون الجزاء يقع معه، كما في قوله تعالى :﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾ فقال النبي ﷺ لما نزلت :( أعوذ بوجهك، أعوذ بوجهك ) ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [ الأنعام : ٦٥ ] فقال :( هاتان أهون ) وذلك لأنه تكلم في ذكر القدرة ونوع المقدور، كما يقول القائل : أين تهرب مني ؟ أنا أقدر أن أمسكك.
وكذلك في العلم بالرؤية، كقوله هنا :﴿ أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ ﴾ [ البلد : ٧ ]، وقوله تعالى ـ في الذي ينهي عبدًا إذا صلى :﴿ أَلَمْ يَعْلَمْ بأَنَّ اللَّهَ يَرَى ﴾ [ العلق : ١٤ ]، وقوله تعالى :﴿ وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾ [ التوبة : ١٠٥ ]، وقوله :﴿ أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ ﴾ [ الزخرف : ٨٠ ]، وقوله تعالى :﴿ وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌِ ﴾ [ القمر : ٥٢، ٥٣ ] وأمثال ذلك. فذكر رؤيته الأعمال وعلمه بها وإحصائه لها يتضمن الوعيد بالجزاء عليها، كما يقول القائل : قد علمت ما فعلت، وقد جاءتنى أخبارك كلها وأمثال ذلك، فليس المراد الإخبار بقدرة مجردة، وعلم مجرد؛ لكن بقدرة وعلم يقترن بهما الجزاء؛ إذ كان مع حصول العلم والقدرة يمكن الجزاء، ويبقى موقوفًا على مشيئة المجازي، لا يحتاج معه إلى شيء حينئذ، فيجب طلب النجاة بالاستغفار والتوبة إليه، وعمل الحسنات التي تمحو السيئات.


الصفحة التالية
Icon