وهاتان الطائفتان ـ الخوارج والشيعة ـ حَدثوا بعد مقتل عثمان، وكان المسلمون في خلافة أبي بكر وعمر وصدرًا من خلافة عثمان ـ في السنة الأولي من ولايته ـ متفقين لا تنازع بينهم، ثم حدث في أواخر خلافة عثمان أمور أوجبت نوعًا من التفرق، وقام قوم من أهل الفتنة والظلم، فقتلوا عثمان، فتفرق المسلمون بعد مقتل عثمان، ولما اقتتل المسلمون بصفين واتفقوا على تحكيم حكمين خرجت الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفارقوه، وفارقوا جماعة المسلمين إلى مكان يقال له حروراء، فكف عنهم أمير المؤمنين، وقال : لكم علينا ألا نمنعكم حقكم من الفىء، ولا نمنعكم المساجد، إلى أن استحلوا دماء المسلمين وأموالهم، فقتلوا عبد اللّه بن خباب، وأغاروا على سرح المسلمين؛ فعلم عليّ أنهم الطائفة التي ذكرها رسول اللّه ﷺ حيث قال :( يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، آيتهم فيهم رجل مخدج [ أي : ناقص. انظر : القاموس، مادة : خدج ] اليد عليها بضعة شعرات ) وفي رواية :( يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان )، فخطب الناس وأخبرهم بما سمع من رسول اللّه ﷺ وقال : هم هؤلاء القوم، قد سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على سرح الناس فقاتلهم، ووجد العلامة بعد أن كاد لا يوجد، فسجد للّه شكرًا.
وحدث في أيامه الشيعة لكن كانوا مختفين بقولهم، لا يظهرونه لعلي وشيعته، بل كانوا ثلاث طوائف :
طائفة تقول : إنه إله، وهؤلاء لما ظهر عليهم أحرقهم بالنار، وخَدَّ لهم أخاديد عند باب مسجد بني كندة، وقيل : إنه أنشد :
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا ** أجَّجْت ناري ودعوت قنْبَرًا


الصفحة التالية
Icon