وقال شيخ الإسلام ـ رَحِمَهُ اللَّه :
فَصْل
لما بعث اللّه محمدًا ﷺ بكتابه الذي هو الهدى والشفاء والنور، وجعله أحسن الحديث، وأحسن القصص، وجعله الصراط المستقيم لأهل العقل والتدبر، ولأهل التلاوة والذكر، ولأهل الاستماع والحال؛ فالمعتصمون به علمًا وحالا وتلاوة وسمعًا باطنًا وظاهرًا هم المسلمون حقًا، خاصة أمة محمد ﷺ.
ثم لما انحرف من انحرف من أهل الكلام والحروف إلى كلام غيره، ومن أهل السماع والصوت إلى سماع غيره. كان الانحراف في أربع طوائف متجانسة :
قوم تركوا التعلم منه والنظر فيه والتدبر له إلى كلام غيره، من كلام الصابئة أو اليهود، أو ما هو مُوَلَّد من ذلك أو مجانس له أو نحو ذلك، وهم منحرفة المتكلمة.
وبإزائهم [ في المطبوعة : بآرائهم ـ والصواب ما أثبتناه ] قوم أقاموا حروفه وحفظوه وتلوه من غير فقه فيه، ولا فهم لمعانيه، ولا معرفة للمقالات التي توافقه أو تخالفه، ووجه بيانه لمسائلها ودلائلها، وهم ظاهرية القراء والمحدثين ونحوهم. وهذان الصنفان نظير متفقه لا يعرف الحديث، أو صاحب حديث لا يتفقه فيه. وكذلك متكلم لا يتدبر القرآن أو قارئ لا يعرف من القرآن أنواع الكلام الحق والباطل، فهاتان فرقتان علميتان.
والثالثة : قوم تركوا استماع القلوب له والتنعم به، وتحرك القلب عن محركاته وذوق حلاوته، ووجود طعمه إلى سماع أصوات تغيره من شعر أو ملاهٍ، من أصوات الصابئة أو النصارى، أو ما هو مولد عن ذلك ومجانس له، أو نحو ذلك، وهم منحرفة المتصوفة والمتفقرة.


الصفحة التالية
Icon