وبإزائهم قوم يصوتون به، ويسمعون قراءته من غير تحرك عنه، ولا وجْد فيه، ولا ذوق لحقائقه ومعانيه، وهم ظاهرية العباد والمتطوعة والمتقرئة، فهذان الصنفان صاحب حال تحرك الأصوات حاله، وليست تلك الحركة والحال عن الصوت بالقرآن، وصاحب مقال يميز بين الأقوال وينظر فيها وليس ذلك النظر والمقال عن القرآن، وبإزائهما صاحب عبادة ظاهرة معه استماع ظاهر القرآن وتلاوته، وصاحب علم ظاهر معه حفظ حروف القرآن أو تفسير حروفه من غريبه وإعرابه، وأسباب نزوله ونحو ذلك.
فهذه الأقسام الأربعة الذين وقفوا مع ظاهر العلم والعمل المشروعين، والذين خاضوا في باطن العلم والعمل، لكن غير المشروعين جاء التفريط والاعتداء منهم.
ولهذا وقع بينهم التعادي؛ فالأولون يرمون الآخرين بالبدعة والضلالة، وقد صدقوا. والآخرون ينسبون الأولين إلى الجهالة والعجز، وقد صدقوا. ثم قد يكون مع بعض الأولين كثير من العلم والعمل المشروع، كما قد يكون مع بعض الآخرين كثير من العلم الباطن والحال الكامن، كما قد روى الحسن البصري ـ في مراسيله ـ عن النبي ﷺ أنه قال :( العلم علمان : علم في القلب، وعلم في اللسان. فعلم القلب هو العلم النافع، وعلم اللسان حجة اللّه على عباده ). وقال يحيى بن سعيد التيمي أبو حيان ـ فيما رواه الخلال في جامعه عن الثوري : العلماء ثلاثة : فعالم باللّه ليس عالمًا بأمر اللّه، وعالم بأمر الله ليس عالمًا باللّه، وعالم باللّه وبأمر الله.


الصفحة التالية
Icon