قال هؤلاء : ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة، ومن نصر قول الأولين يجيب تارة ـ بما ذكر محمد بن جرير وغيره ـ من أن القراءة على الأحرف السبعة، لم يكن واجبًا على الأمة، وإنما كان جائزًا لهم مرخصًا لهم فيه، وقد جعل إليهم الاختيار في أي حرف اختاروه، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا بل مفوضًا إلى اجتهادهم؛ ولهذا كان ترتيب مصحف عبد اللّه على غير ترتيب مصحف زيد وكذلك مصحف غيره.
وأما ترتيب آيات السور فهو منزل منصوص عليه، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم، كما قدموا سورة على سورة؛ لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًا، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم. قالوا : فكذلك الأحرف السبعة، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور.
ومن هؤلاء من يقول بأن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام؛ لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرًا عليهم، وهو أرفق بهم، أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة، ويقولون : إنه نسخ ما سوي ذلك.
وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول : إن حروف أبي بن كعب، وابن مسعود وغيرهما - مما يخالف رسم هذا المصحف - منسوخة.
وأما من قال عن ابن مسعود : إنه كان يجوز القراءة بالمعنى فقد كذب عليه، وإنما قال : قد نظرت إلى القراء، فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم : أقْبِلْ، وهَلُم َّ، وتَعَالَ، فاقرؤوا كما علمتم، أو كما قال.


الصفحة التالية
Icon