ثم من جوز القراءة بما يخرج عن المصحف مما ثبت عن الصحابة قال : يجوز ذلك؛ لأنه من الحروف السبعة، التي أنزل القرآن عليها، ومن لم يجوزه فله ثلاثة مآخذ : تارة يقول : ليس هو من الحروف السبعة، وتارة يقول : هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول : هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه، وتارة يقول : لم ينقل إلينا نقلاً يثبت بمثله القرآن. وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين.
ولهذا كان في المسألة قول ثالث، وهو اختيار جدي أبي البركات أنه إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة ـ وهي الفاتحة عند القدرة عليها ـ لم تصح صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها. وهذا القول ينبني على أصل، وهو أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة، فهل يجب القطع بكونه ليس منها ؟ فالذي عليه جمهور العلماء أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيًا.
وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه، حتى قطع بعض هؤلاء ـ كالقاضي أبي بكر ـ بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة آية من القرآن في غير سورة النمل؛ لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه، والصواب القطع بخطأ هؤلاء، وأن البسملة آية من كتاب اللّه، حيث كتبها الصحابة في المصحف؛ إذ لم يكتبوا فيه إلا القرآن وجردوه عما ليس منه، كالتخميس والتعشير وأسماء السور، ولكن مع ذلك لا يقال : هي من السورة التي بعدها، كما أنها ليست من السورة التي قبلها، بل هي كما كتبت آية أنزلها اللّه في أول كل سورة، وإن لم تكن من السورة، وهذا أعدل الأقوال الثلاثة في هذه المسألة.