الثالث : أن التجزئة المحدثة لا سبيل فيها إلى التسوية بين حروف الأجزاء؛ وذلك لأن الحروف في النطق تخالف الحروف في الخط في الزيادة والنقصان، يزيد كل منهما على الآخر من وجه دون وجه، وتختلف الحروف من وجه، وبيان ذلك بأمور :
أحدها : أن ألفات الوصل ثابتة في الخط، وهي في اللفظ تثبت في القطع وتحذف في الوصل، فالعَادُّ إن حسبها انتقض عليه حال القارئ إذا وصل وهو الغالب فيها، وإن أسقطها انتقض عليه بحال القارئ القاطع، وبالخط.
الثاني : أن الحرف المشدد حرفان في اللفظ، أولهما ساكن وهذا معروف بالحس واتفاق الناس، وهما متماثلان في اللفظ، وأما في الخط فقد يكونان حرفًا واحدًا مثل ﴿ إِيَّاكَ ﴾ و ﴿ إِيَّاكَ ﴾ [ الفاتحة : ٥ ]، وقد يكونان حرفين مختلفين مثل :﴿ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ﴾ [ الفاتحة : ٣ ] ﴿ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ ﴾ [ الفاتحة : ٦، ٧ ] و ﴿ حِينَئِذٍ ﴾ و ﴿ قَدْ سَمِعَ ﴾ [ المجادلة : ١ ] فالعاد إن حسب اللفظ فالإدغام إنما يكون في حال الوصل دون حال القطع، ويلزمه أن يجعل الأول من جنس الثاني، وهذا مخالف لهذا الحرف المعاد بها. وإن حسب الخط كان الأمر أعظم اضطرابًا؛فإنه يلزمه أن يجعل ذلك تارة حرفًا وتارة حرفين مختلفين، وهذا وإن كان هو الذي يتهجى فالنطق بخلافه.
الثالث : أن تقطيع حروف النطق من جنس تقطيع العروضيين، وأما حروف الخط فيخالف هذا من وجوه كثيرة، والناس في العادة إنما يتهجون الحروف مكتوبة لا منطوقة، وبينهما فرق عظيم.
الرابع : أن النطق بالحروف ينقسم إلى ترتيل وغير ترتيل، ومقادير المدات والأصوات من القراء غير منضبطة، وقد يكون في أحد الحزبين من حروف المد أكثر مما في الآخر، فلا يمكن مراعاة التسوية في النطق، ومراعاة مجرد الخط لا فائدة فيه؛ فإن ذلك لا يوجب تسوية زمان القراءة.


الصفحة التالية
Icon