فأمر نبيه بأن يقول : على الرحمن توكلت وإليه متاب، كما أمره بهما فى قوله :﴿ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [ هود : ١٢٣ ] والأمر له أمر لأمته، وأمره بذلك فى أم القرآن وفى غيرها لأمته ليكون فعلهم ذلك طاعة للّه وامتثالا لأمره، ولا يتقدموا بين يدى اللّه ورسوله؛ ولهذا كان عامة ما يفعله نبينا ﷺ والخالصون من أمته من الأدعية والعبادات وغيرها إنما هو بأمر من اللّه؛ بخلاف من يفعل ما لم يؤمر به وإن كان حسناً أو عفواً، وهذا أحد الأسباب الموجبة لفضله وفضل أمته على من سواهم، وفضل الخالصين من أمته على المشوبين الذين شابوا ما جاء به بغيره، كالمنحرفين عن الصراط المستقيم.
وإلى هذين الأصلين كان النبى ﷺ يقصد فى عباداته وأذكاره ومناجاته، مثل قوله فى الأضحية :( اللهم هذا منك ولك )، فإن قوله :( منك ) هو معنى التوكل والاستعانة، وقوله :( لك ) هو معنى العبادة، ومثل قوله في قيامه من الليل :( لك أسلمت، وبك آمنت، وعلىك توكلت، وإليك أنَبْت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، أعوذ بعزتك، لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذى لا يموت، والجن والإنس يموتون ) إلى أمثال ذلك.
إذا تقرر هذا الأصل، فالإنسان فى هذين الواجبين لا يخلو من أحوال أربعة هي القسمة الممكنة، إما أن يأتي بهما، وإما أن يأتى بالعبادة فقط، وإما أن يأتى بالاستعانة فقط، وإما أن يتركهما جميعاً.
ولهذا كان الناس فى هذه الأقسام الأربعة، بل أهل الديانات هم أهل هذه الأقسام، وهم المقصودون هنا بالكلام.


الصفحة التالية
Icon