قسم يغلب عليه قصد التأله لله ومتابعة الأمر والنهى والإخلاص لله تعالى، واتباع الشريعة فى الخضوع لأوامره وزواجره وكلماته الكونيات، لكن يكون منقوصا من جانب الاستعانة والتوكل، فيكون إما عاجزاً وإما مفرطا، وهو مغلوب إما مع عدوه الباطن وإما مع عدوه الظاهر، وربما يكثر منه الجزع مما يصيبه، والحزن لما يفوته، وهذا حال كثير ممن يعرف شريعة الله وأمره، ويرى أنه متبع للشريعة وللعبادة الشرعية، ولا يعرف قضاءه وقدره، وهو حسن القصد، طالب للحق، لكنه غير عارف بالسبيل الموصلة، والطريق المفضية.
وقسم يغلب عليه قصد الاستعانة بالله والتوكل علىه، وإظهار الفقر والفاقة بين يديه، والخضوع لقضائه وقدره وكلماته الكونيات، لكن يكون منقوصا من جانب العبادة وإخلاص الدين للّه، فلا يكون مقصوده أن يكون الدين كله للّه، وإن كان مقصوده ذلك فلا يكون متبعاً لشريعة اللّه ـ عز وجل ـ ومنهاجه، بل قصده نوع سلطان فى العالم، إما سلطان قدرة وتأثير، وإما سلطان كشف وإخبار، أو قصده طلب ما يريده ودفع ما يكرهه بأي طريق كان، أو مقصوده نوع عبادة وتأله بأي وجه كان همته فى الاستعانة والتوكل المعينة له على مقصوده، فيكون إما جاهلا وإما ظالما تاركا لبعض ما أمره اللّه به، راكبا لبعض ما نهى اللّه عنه، وهذه حال كثير ممن يتأله ويتصوف ويتفقر، ويشهد قدر اللّه وقضاءه، ولا يشهد أمر اللّه ونهيه، ويشهد قيام الأكوان باللّه وفقرها إليه، وإقامته لها ولا يشهد ما أمر به وما نهى عنه، وما الذي يحبه اللّه منه ويرضاه، وما الذي يكرهه منه ويسخطه.
ولهذا يكثر في هؤلاء من له كشف وتأثير وخرق عادة مع انحلال عن بعض الشريعة، ومخالفة لبعض الأمر، وإذا أوغل الرجل منهم دخل فى الإباحية والانحلال، وربما صعد إلى فساد التوحيد فيخرج إلى الاتحاد والحلول المقيد، كما قد وقع لكثير من الشيوخ، ويوجد فى كلام صاحب ( منازل السائرين ) وغيره ما يفضي إلى ذلك.