وذلك أن الشر إما أن يكون موجوداً أو معدوماً. فالمعدوم سواء كان عدم ذات أو عدم صفة من صفات كمالها أو فعل من أفعالها، مثل عدم الحياة، أو العلم، أو السمع أو البصر، أو الكلام، أو العقل، أو العمل الصالح على تنوع أصنافه، مثل معرفة الله ومحبته وعبادته والتوكل علىه، والإنابة إليه، ورجائه وخشيته، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وغير ذلك من الأمور المحمودة الباطنة والظاهرة، من الأقوال والأفعال. فإن هذه الأمور كلها خيرات وحسنات وعدمها شر وسيئات، لكن هذا العدم ليس بشىء أصلاً، حتى يكون له بارئ وفاعل فيضاف إلى اللّه، وإنما هو من لوازم النفس التى هى حقيقة الإنسان قبل أن تخلق وبعد أن خلقت، فإنها قبل أن تخلق عدم مستلزم لهذا العدم، وبعد أن خلقت ـ وقد خلقت ضعيفة ناقصة ـ فيها النقص والضعف والعجز، فإن هذه الأمور عدمية، فأضيف إلى النفس من باب إضافة عدم المعلول إلى عدم علته، وعدم مقتضيه، وقد تكون من باب إضافته إلى وجود منافيه من وجه آخر سنبينه إن شاء اللّه تعالى.
ونكتة الأمر : أن هذا الشر والسيئات العدمية، ليست موجودة حتى يكون اللّه خالقها، فإن اللّه خالق كل شىء.
والمعدومات تنسب تارة إلى عدم فاعلها، وتارة إلى وجود مانعها، فلا تنسب إليه هذه الشرور العدمية على الوجهين :
أما الأول، فلأنه الحق المبين، فلا يقال : عدمت لعدم فاعلها ومقتضيها.
وأما الثانى ـ وهو وجود المانع ـ فلأن المانع إنما يحتاج إليه إذا وجد المقتضى، ولو شاء فعلها لما منعه مانع، وهو ـ سبحانه ـ لا يمنع نفسه ما شاء فعله، بل هو فعال لما يشاء، ولكن اللّه قد يخلق هذا سبباً ومقتضياً ومانعاً، فإن جعل السبب تاماً لم يمنعه شيء، وإن لم يجعله تاماً منعه المانع لضعف السبب وعدم إعانة الله له، فلا يعدم أمر إلا لأنه لم يشأه، كما لا يوجد أمر إلا لأنه يشاؤه، وإنما تضاف هذه السيئات العدمية إلى العبد لعدم السبب منه تارة، ولوجود المانع منه أخرى.