يبين ذلك أن كل شرٍّ فى العالم لا يخرج عن قسمين : إما ألم وإما سبب الألم، وسبب الألم مثل الأفعال السيئة المقتضية للعذاب، والألم الموجود لا يكون إلا لنوع عدم، فكما يكون سببه تفرق الاتصال؛ وتفرق الاتصال هو عدم التأليف والاتصال الذى بينهما، وهو الشر والفساد.
وأما سبب الألم، فقد قررت فى قاعدة كبيرة : أن أصل الذنوب هو عدم الواجبات لا فعل المحرمات، وإن فعل المحرمات إنما وقع لعدم الواجبات، فصار أصل الذنوب عدم الواجبات، وأصل الألم عدم الصحة؛ ولهذا كان النبى ﷺ يعلمهم فى خطبة الحاجة أن يقولوا :( ونعوذ باللّه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا )، فيستعيذ من شر النفس الذى نشأ عنها من ذنوبها وخطاياها، ويستعيذ من سيئات الأعمال التى هى عقوباتها وآلامها؛ فإن قوله :( ومن سيئات أعمالنا ) قد يراد به السيئات فى الأعمال، وقد يراد به العقوبات، فإن لفظ السيئات فى كتاب اللّه يراد به ما يسوء الإنسان من الشر، وقد يراد به الأعمال السيئة، قال تعالى :﴿ إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا ﴾ [ آل عمران : ١٢٠ ]، وقال تعالى :﴿ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنسَانَ كَفُورٌ ﴾ [ الشورى : ٤٨ ].