قلت : فتعليلهم في المسألة إنما يتوجه فيمن يعلق إنشاء الإيمان على المشيئة، كالذي يريد الدخول في الإسلام، فيقال له : آمن. فيقول : أنا أومن إن شاء اللّه، أو آمنت إن شاء، أو أسلمت إن شاء اللّه، أو أشهد إن شاء اللّه أن لا إله إلا اللّّه، وأشهد إن شاء اللّه أن محمدًا رسول اللّه، والذين استثنوا من السلف والخلف لم يقصدوا في الإنشاء، وإنما كان استثناؤهم في إخباره عما قد حصل له من الإيمان، فاستثنوا إما أن الإيمان المطلق يقتضى دخول الجنة وهم لا يعلمون الخاتمة، كأنه إذا قيل للرجل : أنت مؤمن. قيل له : أنت عند اللّه مؤمن من أهل الجنة، فيقول : أنا كذلك إن شاء اللّه. أو لأنهم لا يعرفون أنهم أتوا بكمال الإيمان الواجب.
ولهذا كان من جواب بعضهم ـ إذا قيل له : أنت مؤمن ـ : آمنت باللّه وملائكته وكتبه، فيجزم بهذا ولا يعلقه، أو يقول : إن كنت تريد الإيمان الذي يعصم دمي ومالي فأنا مؤمن، وإن كنت تريد قوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حقًا ﴾ [ الأنفال : ٢ـ ٤ ]، وقوله :﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [ الحجرات : ١٥ ]، فأنا مؤمن إن شاء اللّه، وأما الإنشاء فلم يستثن فيه أحد، ولا شرع الاستثناء فيه، بل كل من آمن وأسلم آمن وأسلم جزمًا بلا تعليق.


الصفحة التالية
Icon