فتبين أن النزاع في المسألة قد يكون لفظيًا، فإن الذي حرمه هؤلاء غير الذي استحسنه وأمر به أولئك، ومن جزم جزم بما في قلبه من الحال، وهذا حق لا ينافى تعليق الكمال والعاقبة، ولكن هؤلاء عندهم الأعمال ليست من الإيمان، فصار الإيمان هو الإسلام عند أولئك.
والمشهور عند أهل الحديث أنه لا يستثنى في الإسلام. وهو المشهور عن أحمد ـ رضي اللّه عنه ـ وقد روى عنه فيه الاستثناء، كما قد بسط هذا في شرح حديث جبريل وغيره من نصوص الإيمان التي في الكتاب والسنة.
ولو قال لامرأته : أنت طالق إن شاء اللّه، ففيه نزاع مشهور، وقد رجحنا التفصيل، وهو أن الكلام يراد به شيئان : يراد به إيقاع الطلاق تارة، ويراد به منع إيقاعه تارة، فإن كان مراده أنت طالق بهذا اللفظ، فقوله : إن شاء اللّه مثل قوله : بمشيئة اللّه، وقد شاء اللّه الطلاق حين أتى بالتطليق فيقع، وإن كان قد علق لئلا يقع، أو علقه على مشيئة توجد بعد هذا لم يقع به الطلاق حتى يطلق بعد هذا، فإنه حينئذ شاء اللّه أن تطلق.
وقول من قال : المشيئة تنجزه، ليس كما قال، بل نحن نعلم قطعًا أن الطلاق لا يقع إلا إذا طلقت المرأة، بأن يطلقها الزوج أو من يقوم مقامه، من ولي أو وكيل، فإذا لم يوجد تطليق لم يقع طلاق قط، فإذا قال : أنت طالق إن شاء اللّه، وقصد حقيقة التعليق لم يقع إلا بتطليق بعد ذلك، وكذلك إذا قصد تعليقه لئلا يقع الآن. وأما إن قصد إيقاعه الآن وعلقه بالمشيئة توكيدًا وتحقيقًا، فهذا يقع به الطلاق.


الصفحة التالية
Icon