وهذه العبودية قد يخلو الإنسان منها تارة، وأما الأولى فوصف لازم، إذا أريد بها جريان القدر عليه وتصريف الخالق له، قال تعالى :﴿ أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ﴾ [ آل عمران : ٨٣ ]، وعامة السلف على أن المراد بالاستسلام : استسلامهم له بالخضوع والذل، لا مجرد تصريف الرب لهم، كما فى قوله :﴿ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا ﴾ [ الرعد : ١٥ ]، وهذا الخضوع والذل هو ـ أيضاً ـ لازم لكل عبد لابد له من ذلك، وإن كان قد يعرض له أحياناً الإعراض عن ربه والاستكبار، فلابد له عند التحقيق من الخضوع والذل له، لكن المؤمن يسلم له طوعاً فيحبه ويطيع أمره، والكافر إنما يخضع له عند رغبة ورهبة، فإذا زال عنه ذلك أعرض عن ربه، كما قال :﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَآئِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ ﴾ [ يونس : ١٢ ]، وقال :﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُورًا ﴾ [ الإسراء : ٦٧ ].
وفقر المخلوق وعبوديته أمر ذاتي له لا وجود له بدون ذلك، والحاجة ضرورية لكل المصنوعات المخلوقات، وبذلك هي أنها لخالقها وفاطرها؛ إذ لا قيام لها بدونه، وإنما يفترق الناس فى شهود هذا الفقر والاضطرار وعزوبه عن قلوبهم.


الصفحة التالية
Icon