فالعبد كما أنه فقير إلى اللّه دائماً ـ فى إعانته وإجابة دعوته وإعطاء سؤاله وقضاء حوائجه ـ فهو فقير إليه فى أن يعلم ما يصلحه وما هو الذي يقصده ويريده، وهذا هو الأمر والنهي والشريعة، وإلا فإذا قضيت حاجته التى طلبها وأرادها ولم تكن مصلحة له كان ذلك ضرراً علىه، وإن كان في الحال له فيه لذة ومنفعة فالاعتبار بالمنفعة الخالصة أو الراجحة، وهذا قد عَرَّفه اللّه عباده برسله وكتبه. علموهم، وزكوهم، وأمروهم بما ينفعهم، ونهوهم عما يضرهم، وبينوا لهم أن مطلوبهم ومقصودهم ومعبودهم يجب أن يكون هو الله وحده لا شريك له، كما أنه هو ربهم وخالقهم، وأنهم إن تركوا عبادته أو أشركوا به غيره خسروا خسراناً مبيناً، وضلوا ضلالا بعيداً، وكان ما أوتوه من قوة ومعرفة وجاه ومال وغير ذلك ـ وإن كانوا فيه فقراء إلى الله مستعينين به علىه، مقرين بربوبيته ـ فإنه ضرر علىهم، ولهم بئس المصير وسوء الدار.
وهذا هو الذي تعلق به الأمر الديني الشرعى والإرادة الدينية الشرعية، كما تعلق بالأول الأمر الكونى القدري والإرادة الكونية القدرية.
والله ـ سبحانه ـ قد أنعم على المؤمنين بالإعانة والهداية؛ فإنه بين لهم هُدَاهم بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وأعانهم على اتباع ذلك علماً وعملا، كما مَنَّ علىهم وعلى سائر الخلق بأن خلقهم ورزقهم وعافاهم، ومَنَّ على أكثر الخلق بأن عرفهم ربوبيته لهم وحاجتهم إليه، وأعطاهم سؤلهم، وأجاب دعاءهم، قال تعالى :﴿ يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ [ الرحمن : ٢٩ ]، فكل أهل السموات والأرض يسألونه، فصارت الدرجات أربعة :
قوم لم يعبدوه ولم يستعينوه، وقد خلقهم ورزقهم وعافاهم.
وقوم استعانوه فأعانهم ولم يعبدوه.
وقوم طلبوا عبادته وطاعته، ولم يستعينوه ولم يتوكلوا عليه.