والصنف الرابع : الذين عبدوه واستعانوه فأعانهم على عبادته وطاعته، وهؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقد بين ـ سبحانه ـ ما خص به المؤمنين فى قوله :﴿ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ﴾ [ الحجرات : ٧ ] والحمد لله رب العالمين، وصلى اللّه على أفضل المرسلين محمد وآله وصحبه أجمعين.
قَالَ شيخ الإِسلام أبو العباس أَحمد بن تيمية ـ رَحِمَهُ اللَّهُ تعَالى :

فصل


والعبد مضطر دائماً إلى أن يهديه الله الصراط المستقيم، فهو مضطر إلى مقصود هذا الدعاء؛ فإنه لا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السعادة إلا بهذه الهداية، فمن فاته فهو إما من المغضوب علىهم، وإما من الضالين، وهذا الهدى لا يحصل إلا بهدى الله، وهذه الآية مما يبين فساد مذهب القَدَرِيّة.
وأما سؤال من يقول : فقد هداهم فلا حاجة بهم إلى السؤال، وجواب من أجابه : بأن المطلوب دوامها ـ كلام من لم يعرف حقيقة الأسباب، وما أمر الله به؛ فإن ( الصراط المستقيم ) أن يفعل العبد فى كل وقت ما أمر به فى ذلك الوقت من علم وعمل، ولا يفعل ما نهى عنه، وهذا يحتاج فى كل وقت إلى أن يعلم ويعمل ما أمر به في ذلك الوقت وما نهى عنه، وإلى أن يحصل له إرادة جازمة لفعل المأمور، وكراهة جازمة لترك المحظور، فهذا العلم المفصل والإرادة المفصلة لا يتصور أن تحصل للعبد فى وقت واحد، بل كل وقت يحتاج إلى أن يجعل الله فى قلبه من العلوم والإرادات ما يهتدى به فى ذلك الصراط المستقيم.
نعم، حصل له هدى مجمل بأن القرآن حق، والرسول حق، ودين الإسلام حق، وذلك حق، ولكن هذا المجمل لا يغنيه إن لم يحصل له هدى مفصل فى كل ما يأتيه ويذره من الجزئيات التى يحار فيها أكثر عقول الخلق، ويغلب الهوى والشهوات أكثر عقولهم لغلبة الشهوات والشبهات عليهم.


الصفحة التالية
Icon