قال شيخ الإِسَلام :
هذا تفسير آيات أشكلت حتى لا يوجد في طائفة من ( كتب التفسير ) إلا ما هو خطأ :
منها قوله :﴿ بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ﴾ الآية [ البقرة : ٨١ ]، ذكر أن المشهور أن ( السيئة ) الشرك، وقيل : الكبيرة يموت عليها، قاله عكرمة. قال مجاهد : هي الذنوب تحيط بالقلب.
قلت : الصواب ذكر أقوال السلف، وإن كان فيها ضعيف فالحجة تبين ضعفه، فلا يعدل عن ذكر أقوالهم لموافقتها قول طائفة من المبتدعة، وهم ينقلون عن بعض السلف أن هذه الآية أخطأ فيها الكاتب كما قيل فى غيرها، ومن أنكر شيئا من القرآن بعد تواتره استتيب، فإن تاب وإلا قتل، وأما قبل تواتره عنده فلا يستتاب، لكن يبين له، وكذلك الأقوال التى جاءت الأحاديث بخلافها؛ فقها، وتصوفا، واعتقاداً، وغير ذلك.
وقول مجاهد صحيح، كما في الحديث الصحيح :( إذا أذنب العبد نكتَ فى قلبه نكتة سوداء ) إلخ.. ، والذي يغشى القلب يسمى ( رَيْناً ) و ( طَبْعاً ) و ( خَتْماً ) و ( قُفْلا ) ونحو ذلك، فهذا ما أصر عليه. و ( إحاطة الخطيئة ) : إحداقها به فلا يمكنه الخروج، وهذا هو البَسْل بما كسبت نفسه، أي : تحبس عما فيه نجاتها فى الدارين؛ فإن المعاصي قيد وحبس لصاحبها عن الجَوَلان فى فضاء التوحيد، وعن جَنْى ثمار الأعمال الصالحة.
ومن المنتسبين إلى السنة من يقول : إن صاحب الكبيرة يعذب مطلقاً، والأكثرون على خلافه، وأن الله ـ سبحانه ـ يزن الحسنات والسيئات، وعلى هذا دل الكتاب والسنة وهو معنى الوزن، لكن تفسير السيئة بالشرك هو الأظهر؛ لأنه ـ سبحانه ـ غاير بين المكسوب والمحيط، فلو كان واحداً لم يغاير، والمشرك له خطايا غير الشرك أحاطت به لأنه لم يتب منها.
وأيضا، قوله :﴿ سَيِّئَةً ﴾ نكرة، وليس المراد جنس السيئات بالاتفاق.