ولهذا اختلف الناس في هذه المسألة، فطائفة من المتكلمين من أصحابنا وغيرهم ـ كالقاضي وابن عقيل [ هو أبو الوفاء على بن عقيل البغدادى، عالم العراق وشيخ الحنابلة ببغداد فى وقته، اشتغل بمذهب المعتزلة فى حداثته، وقال عنه ابن حجر : نعم كان معتزليا، ثم أشهد على نفسه أنه تاب عن ذلك وصحت توبته، له تصانيف كثيرة، منها ـ كتاب الفنون ـ الذى يزيد على أربعمائة مجلد، توفى سنة ٣١٥هـ ] وابن الزاغونى [ هو أبو الحسن على بن عبيد الله بن نصر بن الزاغونى، مؤرخ فقيه، من أعيان الحنابلة، له تصانيف كثيرة فى الفقه والأصول والحديث، منها : الإقناع والواضح وغيرهما. ولد سنة ٤٥٥ هـ، وتوفى سنة ٥٢٧ هـ ] يقولون بقياس الغائب على الشاهد، ويريدون بالغائب الله، ويقولون : قياس الغائب على الشاهد ثابت بالحد والعلة والدليل والشرط. كما يقولون فى مسائل الصفات في إثبات العلم والخبرة والإرادة وغير ذلك. وأنكر ذلك عليهم طائفة منهم الشيخ أبو محمد فى رسالته إلى أهل رأس العين، وقال : لا يسمى الله غائباً، واستدل بما ذكر.
وفصل الخطاب بين الطائفتين : أن اسم ( الغيب والغائب ) من الأمور الإضافية يراد به ما غاب عنا فلم ندركه، ويراد به ما غاب عنا فلم يدركنا؛وذلك لأن الواحد منا إذا غاب عن الآخر مغيبا مطلقاً لم يدرك هذا هذا ولا هذا هذا، والله ـ سبحانه ـ شهيد على العباد، رقيب عليهم، مهيمن عليهم، لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء، فليس هو غائباً، وإنما لما لم يره العباد كان غيبا؛ولهذا يدخل فى الغيب الذى يؤمن به وليس هو بغائب؛ فإن ( الغائب ) اسم فاعل من قولك : غاب يغيب فهو غائب والله شاهد غير غائب، وأما ( الغيب ) فهو مصدر غاب يغيب غيباً، وكثيراً ما يوضع المصدر موضع الفاعل كالعدل والصوم والزور، وموضع المفعول كالخلق والرزق ودرهم ضرب الأمير.


الصفحة التالية
Icon