ولهذا يقرن الغيب بالشهادة، وهى أيضاً مصدر، فالشهادة هى المشهود أو الشاهد، والغيب هو إما المغيب عنه فهو الذى لا يشهد نقيض الشهادة، وإما بمعنى الغائب الذي غاب عنا فلم نشهده فتسميته باسم المصدر فيه تنبيه على النسبة إلى الغير، أى : ليس هو بنفسه غائبا، وإنما غاب عن الغير أو غاب الغير عنه.
وقد يقال : اسم ( الشهادة، والغيب ) يجمع النسبتين، فالشهادة ما شهدنا وشهدناه، والغيب ما غاب عنا وغبنا عنه فلم نشهده، وعلى كل تقدير فالمعنى فى كونه غيبا هو انتفاء شهود ناله، وهذه تسمية قرآنية صحيحة، فلو قالوا : قياس الغيب على الشهادة لكانت العبارة موافقة، وأما قياس الغائب ففيه مخالفة فى ظاهر اللفظ ولكن موافقة فى المعنى؛ فلهذا حصل فى إطلاقه التنازع.
وقال شيخ الإِسَلام ـ قدَّسَ اللَّه روحهُ :

فصل


المثل فى الأصل : هو الشبيه وهو نوعان؛ لأن القضية المعينة إما أن تكون شبهاً معيناً أو عاما كليا؛ فإن القضايا الكلية التى تعلم وتقال هى مطابقة مماثلة لكل ما يندرج فيها، وهذا يسمى قياساً في لغة السلف واصطلاح المنطقيين.
وتمثيل الشىء المعين بشىء معين هو ـ أيضاً ـ يسمى قياساً فى لغة السلف واصطلاح الفقهاء، وهو الذى يسمى قياس التمثيل.
ثم من متأخرى العلماء ـ كالغزالى وغيره ـ من ادعى أن حقيقة القياس إنما يقال على هذا، وما يسميه تأليف القضايا الكلية قياساً فمجاز من جهة أنه لم يشبه فيه شىء بشىء، وإنما يلزم من عموم الحكم تساوى أفراده فيه، ومنهم من عكس كأبى محمد ابن حزم، فإنه زعم أن لفظ القياس إنما ينبغى أن يكون فى تلك الأمور العامة وهو القياس الصحيح.


الصفحة التالية
Icon